رهينات معايير الجمال
أرواحنا أصبحت محتجزةً داخل سجن، وحُكم على كل المحتجزات أن يتبعن قيود محددة بمعايير جمالية تعاقب كل من يخرج من هذه "القوانين". أسوأ عقاب هو تجريدنا من هويتنا كإناث. من وجهة نظري عندما تفقد المرأة إحساسها بأنوثتها لأي سبب كان هو نقطة انتكاسة، بحيث تفقد تقديرها لنفسها. حرفياً تفقد مشاعرها حول قيمتها، وهويتها كإنسان. جميع أهدافها تتلاشى وتصبح سرابًا. تصل لمرحلة الضلال أي رأي أو انتقاد يخل توازنها وقوتها.
تعاني كل امرأة في مجتمعنا من كمية الضغط النفسي في محاولات مواكبة هذه المعايير، وهو أمر يفوق قدرة أي مخلوق، وهدف هذه المواكبات هو إرضاء مجتمع سطحي يهتم بظواهر الأمور، والأسوأ من الأحكام التي يطلقها الجميع بناء على المظهر الخارجي هو نبذ المجتمع، واحتقاره لكل من يصبح شاذًا وخارجًا عن تلك المعايير.
هذه فقط البداية؛ لأن الأمر يصبح صعبًا أكثر عندما تكون مصابًا بتشوه خلقي بسيطٍ كان أو معقدًّا.
من خلال تجربتي الشخصية مع حالتي الصحية وهي شق الشفة وسقف الحلق، أصبح من الصعب أن تواكب أمور حياتك كإنسان إن لم تملك مواصفات معينة أو على الأقل "طبيعية" من وجهة نظر مجتمعنا. لنبدأ مع مصطلح طبيعي، ما هو الطبيعي بالنسبة للآخرين؟ هل الطبيعي من يمتلك شكلًا جميلًا؟ أو الطبيعي من يعيش حياته وفق روتين معين أو شخصية تواكب ضجات مجتمعنا إيجابيةً كانت أو سلبيةً؟ هل الإنسان الطبيعي من وجهة نظر مجتمعنا هو كل من يفكر داخل صندوق مظلم، ومقيد تحت أنماط اجتماعية؟
بدأت أشك بإن مجتمعنا أصبح يخلط بين لفظ طبيعي وإمعة. منذ طفولتي عقلي كان يتساءل، و حياتي كلها كانت تدور حول البحث عن جواب لهذا التساؤل: ما معنى كلمة "طبيعي"؟ بحسب تعامل بعض الأشخاص في مجتمعنا، اعتقدت لفترة طويلة بأني كائن فضائي، أو مخلوق غريب جدًا. نظراتهم لي في كل مكان عام كانت تحلل كل جزء فيني، والبعض كان لا يكف النظر. لكن تعلمت أن أخلق قصة في ذهني وأحول هذه النظرات لمشهد ممتع. خيالي هو الأمر الوحيد الذي ساعدني في مواكبة القلق النفسي حول نظرة المجتمع لمظهري، لكن كل ما تقدمت بالعمر ألاحظ أن الخيال لم يكن حل مفيد، كان أشبه بمخدر موضعي، وخلال فترة قصيرة الألم لن يفارقني. الخيال كان مهرب، لكن سئمت جداً من الهروب. يحق لكل شخص أن يتصف بالجمال الخارجي والداخلي مهما كان مظهره مختلفًا؛ لأن من وجهة نظري الاختلاف هو من يخلق الجمال.
كثير من الأحيان ألاحظ أن حالتي الصحية من الممكن أن تكون عائقًا يمنع بعض البشر من ربط صفة الجمال مع اختلافي، وكأننا نصنف كوحوش، وأقبح تعامل هو كل من يعاملنا كأغبياء، وكأن المظهر الخارجي يحدد ذكاء الإنسان.
من الآن فصاعداً يحق لكل مصاب بشق الشفة وسقف الحلق أن يصنف كشخص طبيعي، ويملك كمية الجمال التي يملكها أي شخص آخر. البشر بطبيعتهم تختلف ملاحمهم ونحن كذلك، إذاً هذا أمر من المفترض أن يتقبله الجميع. الحقيقة هي أننا تعرضنا للنبذ لمجرد أن المجتمع لا يصنفنا كأشخاص طبيعيين، وهذا أمر مؤسف وغير عادل، وأصعب المشاعر هي مشاعر الحزن بعد سماعي لكل فتاة تعاني من نفس الحالة، وعدم تقديرها لنفسها. بكل شفافية غالبية الفتيات في مثل حالتي الصحية في فترة من الفترات المراهقة نظرنا لأنفسنا نظرة دونية، وهذا بسبب عدم تقبل من المحيط لنا، وعدم تخطينا "لمعايير الجمال". لا يصنف ضعف بل الأصح أن يطلق عليه تأثير الجماعة على الفرد، بالفعل نحن رهينات تحت هذه المعايير، وبالفعل نحن كنا مجبورين على هذه المشاعر، مشاعر الوحدة، الخوف من نظرات الآخرين، أو حتى الخوف من مصطلح "جميلة".
لوقت طويل كانت صفة جميلة عدوة لي، وصارعت نفسي حتى صرت أؤمن بأن لي الحق الكامل بأن أتصف بها. قررت أغير نظرة محيطي حول مصطلحات ومعايير الجمال؛ لأن الجمال موجود بداخل وخارج كل شخص مختلف. الجمال يا عزيزتي المرأة متأصل فيك مهما كنتِ مختلفة، ونحن إناث هذا العصر لن نرضخ تحت أيٍ من هذه المعايير سنصنع جمالنا بأنفسنا.
نصيحة نهائية لكل امرأة الوصول لمرحلة الرضا النفسي، والقناعة التامة بجمالك الروحي والظاهري مهما كان اختلافه يتطلب قدرة ذهنية، ونفسية خارقة جدًا. دائماً وأبدًا أذكِّر كل مصاب بحالة شق الشفة وسقف الحلق بأن لا يخجل ولو لثانية من اختلافه، لأن العيب - من وجهة نظري - يتأصل في عقول لا تحترم اختلافات الآخرين. التشوه الفعلي يكمن في عقل كل شخص لا يستوعب بأن أي ندبة تمتلكها هي مصدر قوة، ولن تصبح نقطة ضعف بعد الآن.
دائماً وأبداً أنا شخص مؤمن بأن الجمال يولد من رحم الاختلاف.
بتول العنزي كاتبة من الرياض. يمكنكم متابعتها على تويتر.