الكتابة الإبداعية: خيالٌ سرمدي صافي أم نتاج خوف وتوقعات؟

،الكتابة الإبداعية وما تحمله من قيمة التأليف لا التكرار، وماتعنيه من تجارب وانفعالات وماتظهره من مهارات وخبرات وقدرات لغوية، وفهم نفسي، لا زالت تواجه أغرب التابوهات (الممنوعات). ما زال الكاتب يواجه تعليقات غريبة كالتشكيك بأهمية لفظ وبذاءة آخر والتشنج ضد تصرف " مستورد" وشعور "محظور"!

ومع هذه الموجة -القديمة حقيقةً- من الحساسية المفرطة تثير هذه الأفكار تساؤلات عديدة أليس للكاتب حريته في نقل تجربة وسرد قصته؟ ففي علوم اللغويات كل مفردة لها إحساسها فاللفظ الجريء أداة كالتلميح وكالتشبيه وكالتكرار، الكلمات هنا معادلة الكاتب وسيمفونيته الخاصة. وفي أساسيات سرد القصة كل ما في القصة يدفع تطوُّر الأحداث، إظهار جوانب الشخصيات -بما في ذلك سوئهم وبذائتهم وشرهم- حتى استفزاز مشاعر القارئ يعتبر نتيجة لقصة متقنة.

الخير والشر (اليين واليانغ) للواقع والخيال وبهذه المعادلة يصف الكاتب النفس البشرية بدوافعها واعتلالاتها، وبهذا الوصف محاولة فهم رغبات دفينة، فالكاتب ليس مجرد قدرات لغوية وكلمات رنانة الكاتب مرآة عاكسة للحضارات ومخلد لها. يريد الكُتَّاب ممارسة حق الإبداع لكن هذا لا يحدث بالضرورة، فإذا تفادى كاتبٌ موضوعًا ما فإنه هنا لا يكتب بخياله ونظرته بل يكتب بخوفه، سيحدد خياراته وفق نطاق قد يكون ضيقًا جدًا ولا تثمر فيه قصصه وإن تجرأ وكتب خارج حدود وتوقعات غيره ستوصم نصوصه بأنها الفن المحظور وستحرم من النشر والمناقشة.

في "أن تقرأ لوليتا في طهران" مثلاً،  سيرة ذاتية لإمرأة ايرانية مثقفة وواعية بمجتمع محافظ وصراعها بين النفور من المجتمع وحبها لأهلها ووطنها، تكتب لنقل تجربتها عبر مواقف قد يراها البعض "محرمة" و"فاسدة" لكنها بالحقيقة ليست سوى تجربة إنسانية جديرة بالاهتمام.

وفي رواية "برتقالة آلية" تجسيد لعالم مضطرب وقصة شاب عنيف معتل يمارس جرائم ثم يسجن وتعتبر هذه الرواية تحفة ديستوبية بحتة من العنف والتجارب الجنونية تحت إسم الأصلاح. وقد حُولت لاحقًا لفيلم بنفس العنوان من إخراج العبقري ستانلي كوبريك. ففي مقابلة ل  سايت آند ساوند صرح ستانلي كوبريك أن تجسيد العنف هنا واقعي و ليس عنفًا ساخرًا أو مضحك كما في توم آند جيري أو عنف غير واقعي ودرامتيكي مثل أفلام جيمس بوند ، وصرح بكون العنف البحت نافعًا للمجتمع لأنه يقوم بتوفير فرصة لتجسيد هذه المشاعر المكبوتة و تفريغ مشاعر الغضب إذ أن هذه المشاعر بالنسبة لكوبريك يفضل أن تتجسد بأحلامنا فقط أو بشيء يشبه الحلم ألا وهو الأفلام وهذا التجسيد للطبيعة البشرية بنظر كوبريك يحمينا من نقل العنف للواقع. عمل مثل هذا يحتاج أن يكون بهذه الحالة من الجنون المطلق بهذا التصوير للفوضى والشغب المثير للاشمئزاز! وقد أعطى كوبريك الفيلم حقه إذ أنه الآن من أهم مئة فلم في تاريخ السينما الأمريكية.

الجدير بالذكر أن أعمالاً كثيرة نجت من تصنيفها بالممنوع مع مرور الوقت وتعتبر حاليًا كتب محبوبة بأعتبارها إضافة للأدب 1984 مثلًا، أشهر رواية دستوبيا كانت ممنوعة بدول عديدة ولاتزال ممنوعة بسبب تطرقها لنظام شمولي يدمر مفاهيم أساسية مثل الحقيقة والسلام وتُزيف فيه الأخبار وتخضع الكلمات فيه للرقابة وللحذف وتغيير المعنى. إختارت مجلة تايم الرواية في 2005 ضمن أفضل 100 رواية كتبت باللغة الإنجليزية بين سنتي 1923 و 2005 لهذه الرواية أثر كبير في الأدب إذ نشأ مصطلح "أوريلي" لوصف مثل هذه الأعمال ومازالت من الكتب اللتي تُلاقي رواجًا بالمكتبات حول العالم. 

  أما تشارلز بوكوڤسكي الشاعر الامريكي الذي عُرف بصراحته وواقعيته "القذرة" لبوكوڤسكي ألف قصيدة، مئات القصص القصيرة، وست روايات. عُرف ببصراحته وواقعيته وجنونه، ترك أثره العظيم بالأدب الأمريكي. وإن بدا بذيئًا قذر فهذه ليست سوى نظرة سطحية لفنان وأنسان بالدرجة الأولى فقصائده تعكس تجاربه في الحياة بين الشرب والاكتئاب والفشل والأعتزال والكتابة، صراعه المستمر في إثبات نفسه وتجربته كمجرد أنسان أو إنسان.. مجرد.

تجربة النشر الإلكتروني

إن شعر الكاتب بأن جهوده في احتواء فكرته ونظرته لا تتحمل سوى الحرية التامة فقد يلجأ لطرق أخرى غير النشر المعتاد، كأن ينشر بنفسه نسخة إلكترونية لقصصه عبر وسائل التواصل الإجتماعي. كثير من الكتب الممنوعة يتم نشرها وقرائتها كملف بي دي أف. 

“الخيال السرمدي”

قصة كُتبت من وحي كاتب مؤمن بفكرته خالية من الخوف وتوقعات الآخرين تحكي حكاية أو بالأحرى حكايات متشابكة عن الفاسد الذي حول ميتم لطائفة عن الهاربة والمنقذ! تطرقت هذه القصة لأدب يعتبر غير معترف به ألا وهو قصص الطوائف والتلاعب النفسي

"صديقتك اختفت فقط.. وعلمي هو بقدر علمك في هذه المسألة.

غريب، لا أتذكر ذلك.. ولكن هذا ليس وقت التدقيق، ذاكرتي ليست بتلك القوة على أية حال.

نُشرت القصة عبر تويتر كمنصة مستقلة من الشروط والقيود ويقول كاتبها مُحمد:

"نشرت روايتي أونلاين لعدة أسباب، أولها المبلغ الخيالي لكاتب مبتدئ، وثانيها الشروط والتضييقات التي واجهتها روايتي السابقة، وآخرها هي بنشري واستفادتي من هذه المنصات الافتراضية -كبداية- استطيع التحكم بكل عناصر المحتوى الإبداعي من وقت النشر وعدد القصص والأهم محتويات كل قصة بلا ضغطٍ أو تضييق."

"أما بالنسبة للتفريط بالأفكار الأصلية بسبب الخوف من ردات الفعل، أنت لا ولن تعلم ردات الفعل، إن كنت تكتب من أجل الفن فنقطة تفتيش الأفكار رضاك عنها، كم قصة كلاسيكية تعتقد بأن صاحبها كان يعلم بأهمية ما كتبه؟ بل كم قصة كلاسيكية لم تلاقي رواجًا حتى فهمها القرّاء بعد مدة قد تطول لسنين عدة، يروي الراوي قصته لأنه يحب رواية القصص بل احيانًا تصبح جزء أساسي منه، فإن احب ووثق بجزء أساسي منه لماذا يهم رأي الجمهور أكثر من كل هذا؟"

!الممنوع مرغوب

فنحن في هذا العالم المنفتح إلكترونياً علينا ألا نتوجس من كُل كتاب وفكرة، فكل شيء سهل الوصول بنقرة واحدة، نحن في وقت نحتاج للأفكار الخلّاقة للأصالة الجريئة اللتي تنتج قصصًا وأفلامًا وأغانٍ كأعمال أدبية وسينمائية محترفة لا أعمال مستقلة ونتاج هواة. نحتاج لأعمال ذات جودة هدفها الإضافة لا الحشو، و نحتاج لدعم الكتاب لبعضهم في رفع ثقل المحظور، لقراء يدعمون المختلف كونه موضوع نقاش ونقد لا منع وفرض من أجل أسمى إرث بشري: الكتابة. 


هيزي كاتبة وقارئة. تابعوها على تويتر لمزيدٍ من أعمالها.

Khaled AlqahtaniComment