خطوط الرياض: مقابلة مع نورة المقحم

تدير نورة المقحم حساب أرشيف خطوط الرياض، والذي يهدف لتوثيق وتقديم لمحة عن هوية مدينة الرياض من خلال لافتاتها. فريق خطوط الرياض يشمل المجتمع بأسره، وكل من له اهتمام بالفنون البصرية والثقافة المحلية. تصور نورة وتحلل هذه الصور قبل نشرها على الحساب، مما يضمن توثيقًا شاملًا بدايته تجارب وأعين سكان الرياض. 


متى وكيف بدأت هذه المبادرة؟ 

بدأت هذه المبادرة في عام ٢٠٢١ م، وكنت حينها أعمل في قلب مدينة الرياض، وفي منطقة الملز تحديدًا. كنت ألاحظ لوحة "كعكي" في شارع الوشم خلال تنقلاتي اليومية، وغيرها من اللوحات المميزة التي تحمل طابعًا فريدًا. قررت في أحد الأيام أن أبدأ بتوثيق جميع اللوحات التي أعلم أنها قد لا تكون موجودة في المستقبل. كان هذا العزم بداية أرشيف خطوط الرياض، حيث أردت الحفاظ على هوية المدينة الثقافية والفنية، وتجسيد ذكريات الأجيال القادمة.

لوحة وخط كعكي

لماذا اخترتِ الخطوط بالذات؟ 

قررت التركيز على الخطوط لأنها تعتبر عنصرًا أساسيًا في الهوية البصرية لأي مدينة، وتلعب دورًا كبيرًا في التعبير عن الثقافة والتاريخ. الخطوط ليست مجرد وسيلة لنقل المعلومات، بل إنها تحمل قصصًا تعكس ثقافة السكان، وتاريخ المكان، وأنماط الحياة اليومية. 
نركز في أرشيف خطوط الرياض على توثيق اللافتات العربية، مما يعكس أهمية اللغة والثقافة العربية في هوية المدينة. هذه الخطوط تمثل تغييرًا عن الخطوط العربية التقليدية، حيث تظهر تطورًا تاريخيًا فريدًا لا يتبع قواعد دراسات الخطوط أو أسلوبًا معينًا. الخطوط تبرز التنوع والابتكار في التصميم، وتعكس الذوق المحلي والممارسات اليومية للناس، مما يجعلها مختلفة عن الخطوط المتناسقة والمخصصة للدراسة الأكاديمية. 

توثيق هذه الخطوط يعد عملًا مهمًا في الحفاظ على تراثنا الثقافي، حيث نحتفي بالفنون البصرية ويرصد التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها الرياض. آمل أن نتمكن من خلال هذا الحساب مشاركة هذه الحكايات، وتعزيز النقاش حول أهمية الفنون البصرية في الهوية الجماعية للمدينة.

لوحة وخط كراج بلدية الملز

 الخطوط خامة محددة ومميزة، فما الطرق التي تستخدمينها لتوثيقها وأرشفتها؟

تعتمد منهجية التوثيق المستخدمة على البساطة، مما يتيح للجميع المساهمة في هذا الأرشيف. أستخدم التصوير الفوتوغرافي لجمع صور الخطوط، ومن ثم أعدلها وأحللها باستخدام برنامجي التصميم أدوبي فوتوشوب وإلستروتر.

تظل عيون الناس في الرياض العنصر الأهم، حيث تساهم تجاربهم وملاحظاتهم في إثراء هذا المشروع وتعزيز توثيق تراث المدينة الثقافي.


ما أهمية توثيق الخطوط والهويات البصرية الأخرى؟ 

توثيق الخطوط بالذات يعتبر أمرًا مهمًا لعدة أسباب. أولًا، يعد التوثيق وسيلة لحفظ التراث الثقافي، حيث يمثل كل خط أو لافتة جزءًا من تاريخ المدينة وقصص سكانها. هذا يساعد في إبراد الهوية البصرية التي تشكل شخصية الرياض، مما يسمح للأجيال القادمة بفهم جذور ثقافتهم. 

ثانيًا، توثيق الخطوط العربية يعزز الوعي بالفنون البصرية، ويشجع النقاش حولها. يتمكن الناس من خلال عرض هذه الأعمال بالتعرف على أساليب التصميم المختلفة والأفكار الفنية التي تعكس المجتمع وتعبر عن تطوراته. هذا النوع من الوعي يمكن يحفز الفنانين والمصممين الشباب على استكشاف التعبير الفني بطريقة مبتكرة. فإن توثيق الخطوط العربية بالإضافة إلى ذلك يبرز أهمية اللغة في الهوية الثقافية. الخطوط تمثل أسلوب تعبير يحمل قيمة جمالية وجوهرية ويعكس التقاليد وثقافة الكتابة. يساعد هذا التصوير مع التطورات السريعة في عالمنا المعاصر في الحفاظ على القيم التقليدية والممارسات الثقافية التي قد تُفقد إذا لم يتم توثيقها.

يساهم توثيق الهويات البصرية علاوة على ذلك في تنشيط السياحة الثقافية، حيث يمكن أن يصبح حساب أرشيف خطوط الرياض مصدر إلهام للزوار المهتمين بالتاريخ والفن. قد يؤدي ذلك إلى تعزيز الاقتصاد المحلي من خلال جذب السياح إلى استكشاف ثراء الثقافة والفن في مدينة الرياض. 

توثيق الخطوط والهويات البصرية  باختصار ليس عملية فنية فحسب، بل هو جهد مجتمعي لحفظ التراث وتعزيز الهوية الثقافية، مما يبني مجتمعًا فخورًا بجذوره وتاريخه.

لوحة وخط بنك الرياض

ماذا تعلمتِ عن الرياض كمدينة من خلال خطوطها؟ 

اكتشفت ليست أن المدينة مجرد مكان بُنيت في المباني والشوارع من خلال توثيق خطوط الرياض، بل هي نسيج غني من الثقافات وتاريخها. كل خط ولافتة يحملان في طياتها قصص تصور تطور المجتمع، وتوجهاته الفنية، وتاريخه العريق. 

تظهر الخطوط من خلال التصاميم المتنوعة التأثيرات الثقافية المختلفة التي تعايشت معها الرياض على السنين من الخطوط التقليدية إلى الخطوط العصرية، مما يعكس تطور الهوية البصرية، وكيف يمكن أن تتحدث عن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها المدينة. 

كما أظهرت لي هذه التجربة أن الفنون البصرية، كالخطوط هنا، تمثل لغة عالمية تعبر عن مشاعر وأفكار الناس. نتمكن من خلال الخطوط الاتصال بأرواح السكان، ومعرفة تطلعاتهم وطموحاتهم ونقطة التقاء بين الماضي والحاضر. اكتشفت أيضًا أن توثيق الخطوط ليس مجرد عمل فني، بل هو جسر يربط الناس بماضيهم، ويساعدهم في فهم حاضرهم. إن الهوية التي تشكلها هذه الخطوط تعكس روح المدينة وتاريخها، مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من رحلة تكوين ذكريات الأجيال القادمة. 

تعزز هذه التجربة أخيرًا شغفي بالمحافظة على التراث الثقافي، وتؤكد لي أن كل لافتة، مهما كانت بسيطة، تعكس جزءًا من هوية مدينة الرياض، وتعلمنا قيم البقاء والإبداع والتفاعل الاجتماعي.