عن القطاع الإبداعي وسقي المواهب في المشتل: مقابلة مع الأميرة نورة بنت سعود
الواجهة والمدخل الرئيسي لمقر شركة حاضنة المشتل الإبداعية الواقع بحي السفارات في مدينة الرياض
تقدم صاحبة السمو الملكي الأميرة/ نورة بنت سعود نفسها كشخص لديه شغف كبير في تحويل الفوضى والضبابية إلى شيء ذو معنى وقيمة وأثر على الآخرين. بعد حصولها على الماجستير في تخصص التصميم المعاصر في لندن، بدأت مشروعها رُكُن، وهو مساحة عمل إبداعي يشجع جميع أشكال التفكير الإبداعي التي يمكن تحويلها إلى منتجات قابلة للاستخدام.
في عام 2017 انضممت لبرنامج ثنك للقيادة التنفيذية مما أدى إلى تطوير رُكُن ليصبح شركة رُكُن التبادل الإبداعي والتي تهدف إلى التشجيع على الإبداع وتطوير الذات وتحقيق الأثر الاجتماعي. من خلالها أطلقوا مبادرة ذات، والتي تهدف إلى إعادة اكتشاف هويّتنا الفردية والجماعية بعمق، وذلك من خلال المحادثات والورش والنقاشات والتشجيع على التعبير الإبداعي.
كل هذا مكنها من امتلاك العديد من الأدوات الفعالة لحل المشكلات وإحداث التغيير الإيجابي من خلال الابتكار والتفكير الإبداعي والذي رغبت بنشره من خلال المشتل
متى وكيف بدأت رحلة المشتل؟ ما الذي ألهمك لبناء هذه المنصة؟
بدأت قصة المشتل عام ٢٠١٨ عندما التقت أفكاري مع أفكار الشريك المؤسس أ/ آلاء غنيم حول حاجة القطاع الإبداعي المحلي وأفراده من المبدعين إلى مكان يجمع تخصصات الإبداع ويُمكِّن المبدعين ويصقل مواهبهم في سبيل تحسين المُخرجات الإبداعية ودمجها في السوق المحلي ثم العالمي، وتوظيف مخرجات الإبداع والابتكار في تحسين جودة الحياة، وتحقيق الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية للقطاع الإبداعي، ليتواصل هذا التعاون الخلَّاق الذي أنتج فكرة المشتل و رسم صورته الحالية.
و ربما كانت المسيرة الإبداعية والعملية في حياتي هي المُلهم الحقيقي لفكرة بناء المشتل بالإضافة للتجارب والتحديات السابقة في هذا المجال، والتي ألهمت هذه الفكرة ومما لا شك فيه أن الفهم والاستيعاب لحاجة المبدعين في جميع التخصصات عناصر مساهمة في تبلور هذه الفكرة.
حائط الإهداءات في مكتبة المشتل، حيث يحتفي المشتل بالكَُتّاب والمؤلفين المبدعين الذين أهدوا إنتاجهم الفكري والمعرفي للمشتل، وتتوفر بمكتبة المشتل مجموعة كبيرة من المراجع في التخصصات الإبداعية باللغتين العربية والإنجليزية
كيف تطور المشتل حتى أصبح ما هو عليه الآن، وما الصعوبات أو المحفزات التي ساهمت بهذا التطور؟
تبنت حاضنة المشتل منذ نشأتها الأولى عددًا من القيم التي انبثقت عن رؤيتها العامة وساهمت في رسم الخطوط العامة لاستراتيجيتها، التي سعت وتسعى بشكل متواصل ومنظم لتحقيقها، كان على رأسها قيمة مقاومة الهدر والتي تجسّدت بوضوح في قصة بناء مقرها، الذي كان مدرسة للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في ثمانينات القرن الميلادي الماضي، واستفاد المشتل من جميع المواد الموجودة في المبنى بإعادة تدويرها واستخدامها ثم بالتبرع بما تبقى منها، هذه القيمة وغيرها من القيم مثل التحفيز ومنح الثقة والمسؤولية هي المرتكزات الرئيسية لتطوُّر حاضنة المشتل وفقًا لرؤيتها واستراتيجيتها العامة.
بالنسبة للحديث عن التحديات فالقطاع الإبداعي بشكل عام قطاع حديث نسبيًا في المملكة العربية السعودية وهذا يعني أنه من الطبيعي ظهور بعض التحديات الإدارية والوظيفية من وقت لآخر نظرًا لنقص الخبرات أحيانًا وقلة مصادر التمويل في أحيان أخرى، ولكننا نعتقد أن ظهور التحديات والمشكلات أمر إيجابي لأننا نسبر طريقًا جديدًا وهذا يعني أننا نتقدم مع اكتشاف كل مشكلة ومواجهة كل تحدي، وبالتأكيد نثق أن الرحلة ستكون أيسر -بمشيئة الله- في مراحلها المُقبلة نظرًا للاهتمام الحكومي الكبير والواضح مؤخرًا بالاقتصاد الإبداعي والقطاعات المُرتبطة به، إضافة إلى تراكم الخبرات الذي يزداد رصيده يوماً بعد يوم.
مبنى البوصلة يمثل المساحة الداخلية للمشتل وتجري فيه فعاليات عامة وخاصة وورش العمل والبرامج التدريبية، وهو عبارة عن مساحة متعددة الاستخدامات
ما الخدمات التي يوفرها المشتل، ومن يستطيع الاستفادة منها؟
يوفر المشتل العديد من الخدمات للاستفادة من مساحاته الداخلية وأنشطته الاجتماعية والتفاعلية والتدريبية، منها على سبيل المثال برنامج الاحتضان ري والذي اختُتمت النسخة الأولى منه قبل شهرين من اليوم تقريبًا، إضافةً إلى خدمات المعامل الإبداعية التي تضم معمل الصوت ومعمل الابتكار ومعمل الصنَّاع الذي سيطلق خدماته التدريبية في نهاية الربع الثالث من عام ٢٠٢٣ حيث يمكن الاستفادة من خدمات المعامل عبر باقات وفئات مختلفة، بالإضافة إلى البرامج التنافسية مثل برنامج اصنع هوية حيّك- بيّن الذي شارك فيه المبدعون من مختلف أنحاء المملكة للتنافس في تقديم تصاميم حضرية تعكس هوية أحيائهم.
بالإضافة لخدمات التدريب والتوجيه المتخصصة التي يُقدمها مستشارو وخبراء المشتل للمبدعين لبناء خارطة النمو وتحديد الأهداف و دخول السوق. كما يوفر المشتل خدمة العضوية للأفراد والإقامة للشركات والكيانات، كما ينظم العديد من الملتقيات الدورية مثل فعالية مخرج صفر التفاعلية. وبالطبع يمكن لجميع المبدعين الذين ينشطون أو يعملون في أي تخصص إبداعي الاستفادة من خدمات المشتل والمشاركة في فعالياته وأنشطته.
لمحات من النسخة الأولى من فعالية مخرج صفر بعنوان "كيف تحوّل شغفك إلى نجاح مستدام" وأُقيمت في مقر حاضنة المشتل
ما حاجة المشهد الفني السعودي حاليًا لمنصات كالمشتل، وكيف يستطيع الفنانون والمبادرات التي لا توجد في المدن الرئيسية بالتعاون معها؟
أنوّه أولًا أن المشهد الفني والفن ما هو إلا جزء من القطاع الإبداعي الذي يضم تخصصات كثيرة ومتنوعة، و تكمن حاجة المشهد الفني والإبداعي للمشتل في تلبيته للحاجة الرئيسية للمهتمين بالفنون والتخصصات الإبداعية في الوصول والاندماج مع مجتمع إبداعي يقاسمهم شغفهم ويؤمن بقدراتهم ويعزز مواهبهم ويقدم لهم الدعم والاستشارات وسُبل التطوير لمخرجاتهم الإبداعية وصولاً لتوظيفها في الحياة واستدامتها اجتماعيًا واقتصاديًا، وجود جهات كالمشتل يعني تعزيز المُنتج الإبداعي والاستفادة من طاقة الابتكار لأقصي درجة.
بالطبع يحاول المشتل الوصول لجميع المبدعين في كل مناطق المملكة عبر برامجه التنافسية تحديدًا، ولا شك أن تغطية خارطة المملكة العربية السعودية الواسعة بشكل كامل يبدو أمرًا صعباً في الفترة الحالية، ولكننا نؤمن بأنه ممكن، ولتحقيق ذلك حاليًا يقوم المشتل بالإعداد لخطة نشر تصل للسوق المحلي عمومًا لتقاسم الشغف وتبادل الخبرات وإتاحة الفرص لشريحة أكبر من المبدعين لعرض إبداعاتهم، كما يعقد المشتل شراكات مع عدد من الجهات لتكثيف جهوده وتعميق أثرها في مقدمتها الشراكة مع شركة KPMG عملاقة الاستشارات العالمية، ويوفر المشتل العديد من وسائل التواصل المتاحة على مدار ساعات العمل خلال الأسبوع لتلقي المُقترحات والمشاركات والأفكار والتواصل مع مقدميها وأصحابها.
ما المشاريع تعملون عليها حاليًا؟
تقوم حاضنة المشتل حالياً بالتحضير للنسخة القادمة من برنامج الاحتضان والذي سيُعلن عنه قريبًا ـ بمشيئة الله- كما يعمل على وضع اللمسات الأخيرة لمعمل الصُناع لإطلاقه وفقًا للمواعيد المُحددة سابقًا، كما تتواصل برامج العضويات والإقامات والمرور اليومي اليوم بنسقها المنتظم، وتستمر الفعاليات والملتقيات الدورية مثل فعالية مخرج صفر المتجددة، والتي يقوم المشتل بتحديد موضوعات كل نُسخة منها وفق دراسة احتياجات السوق الإبداعي، ومن ثم تضمين الفعالية للمحتويات الملائمة توعويًا وثقافيًا وفنيًا للجمهور المتواجد، ويفخر المشتل حاليًا بتوفير خدمة استديو الصوت لفرقة سيرة الموسيقية وهي أول فرقة موسيقية نسائية سعودية تُقدم فن الروك آند رول بمحتويات عربية، حيث قامت سيرة بتسجيل أول أغانيها في استوديو الصوت بالمشتل.
معمل الصوت بالمشتل وهو عبارة عن استديو متكامل التجهيزات والمعدات، يقدم خدمات التسجيل وتجارب الأداء للفنانين والفرق الموسيقية والمعلقين ومقدمي برامج البودكاست