23.
اكتب
اكتب ماتشعر به حتى لو كان تعبيرك سيئًا ورديئًا، حتى لو عرفت مسبقًا بأنك ماتكتبه لا يصل ولا يلامس قلب أحدهم، حتى لو شعرت بشيءٍ من انكشاف الستر عن مشاعرك وخشيت من أن مَن أخفيت عنه ماتشعر به تجاهه قد يعلم بما أخفيته. اكتب حين ترى أن الرؤية لا تؤدي بك إلى ماوددت أن تراه واضحًا جليًا أمامك، حين تعلم بما يحدث خارجًا في وقتٍ متأخر من الليل فقط لأنك كما دائمًا "آخر مَن يعلم" اكتب. اكتب حين يتطلب الوضع الراهن شتائمًا أطول وأفصح وأبلغ ممَّا استهلكتها في أوضاعٍ تافهة وعادية، اكتب إذا كانت روحك على محك اليأس وبحاجة إلى قبس من النور، إذا ظننت أن نهاية ماطمحت إليه قد تكون حزينة وليست كما أردتها سعيدة ومشرقة. اكتب نهاية كما تحب وترغب، لو شعرت أن الجمادات أصبحت لا تنصاع لأوامرك وبدأت تتعطَّل وعجزت عن إصلاحها، لاتذهب بها للمصلِّح، فقط اكتب عن خسارتك أمامها وانتصارها عليك، لو طرأت عليك تغيرات لا تحبها ولا تعجبك وحوَّلتك لشخص غريب لا تعرفه، لا تتعرَّف على غرابتك، اكتب عنها، عن كيف يُصبح المرء غريبًا عليه ولا يستطيع أن يتعامل بتلقائية مع غرابة نفسه الطارئة، إذا قال لك أحدهم:"بأنك عالة على المجتمع" لا تغضب ممّا قال، لاتنعزل ولا تعذِّب روحك. يجب عليك أن تكتب عن كيف ينتقدك الناس دونما أن يعطوك الحق بانتقادهم وكيف أنهم لو سنحت لهم الفرصة لرشقوك بكلماتهم الجارحة، التي تقتل مافي القلب من حياة، لو شتمك أحدهم كنت تغدقه بكل ماتملك من حب ولحظات سعيدة وضحكات حنونة، تذكَّر واكتب عن أولئك الذين ينامون ويستيقظون ويرمون وطنهم بشتائم تخجل أن تقرأها أو تهمس بها حتَّى. اكتب عن كيف يتحدث أولئك عن وطنهم فيما لو سكتوا وصمتوا لأعطوه حقه وأنصفوه، عوضًا عن شعارات انتمائهم له، عوضًا عن التعبير حول محبتهم وولائهم له. اكتب عن كيف يركل المرء وطنه الذي أغدقه بما لايُغدق به مَن في البلاد الأخرى، حين تصنع معروفًا لأحدهم ووجدت منه الشكر والعرفان اكتب عن كيف هيأك الله للمعروف، وحين تصنع معروفًا ولاتجد أدنى نظرة شكر، يكفيك فقط أن تكتب"إلهي منك الأجر والثناء، لانريد منهم جزاءً ولا شكورًا"، لو قطعت الشارع متعبًا من عمل اليوم في طريقك للمنزل وكنت تود لو استلقيت فقط لترتاح، اكتب كيف أن الحياة متاعب ولا راحة ولا مستراح إلا في الآخرة/الجنة، حين تشعر بأن الكلمات لم تعُد جاهزة لتسعفك، لا تكتب، استلقِ على سريرك ولاتحدّق في السقف، نم ولتُصبح على حياةٍ واسعة تمرح فيها منعمًا سعيدًا وضاحكًا حتى القلب.