11.

سخط

في طريقي إلى السينما مررت بمكتبة ذات واجهة مفتوحة تفتح على رفوف متوسطة الطول تظهر رؤوس المتسوقين بين رفوف الكتب. دخلت لتصفح الكتب وتمضية الوقت حتى موعد عرض الفيلم. استوقفتني الروايات الإنجليزية التي تحمل أغلفتها صورة ملصقات أفلام. لا أدري هل هي حيلة دعاية ناجحة أو لا. لكن لا أتصور أن الفيلم أبقى للرواية من متعة، أو مساحة من الحرية ليتخيل القارئ.

اتجهت إلى قسم الكتب العربية. استوقفني اسم روائي  لبناني. غلاف الكتاب جميل يحمل عنوانًا لم أشاهده من قبل. وقفت أتصفحها. قررت أن أبتاعه. كانت  عدد صفحاته تقارب الأربع مئة. نظرت للساعة، لا يزال ثمة وقت حتى موعد عرض الفيلم. اتجهت إلى قسم الكتب الفلسفية؛ أكثرقسم يستهويني، لكني لم أكمل!! قراءة أي كتاب فلسفي بدأته من قبل؛ لأني أنام بعد عدة صفحات

تصفحت العناوين وأسماء المترجمين. استوقفني كتاب يحمل عنوان أعداء المجتمع المفتوح. فتحت على الفهرس، ورحت أتصفح أسماء الأبواب. كنت متأبطًا الرواية، والآخر لثقله أسندته إلى رف المكتبة، وسرح بصري في إحدى الفقرات. كنت منتشيًا بها. كعادتي رحت أردد بهمس بعض الجمل لترسخ بذهني. تذكرت أني في مكتبة وثمة آخرين.

التفت يميني كان ثمة بعض المتسوقين، لكنه لا يبدو أنهم لاحظوا شيئًا. التفت عن يساري، وقعت عيني على فتاة متحجبة. كان رأسها منحن على كتاب. شدت تفاصيل وجهها  انتباهي: الوجه حاد القسمات، بياض البشرة، بعض الشعرات التي هربت من حجابها...رفعت عينيها و ابتسمت  بعد أن راوغت نظرتي. أنا أيضا ارتبكت؛ فنظرت باتجاه آخر. نظرت إليها مرة أخرى، وكانت أروع من المرة السابقة. تشاغلت بتصفح الكتاب. نظرت لها، كانت قد غيرت وجهتها إلى الرف الذي خلفها، وابتعدت تتبع صف الكتب الذي يقودها بعيدا عني..اللعنة على رفوف هذه المكتبة. اقتربت من نهاية الرف اوتجهت الى رف ورائه أبعد..أسرع تتبعها في محاولة ألا تضيع من نظري..شاهدتها تبتعد، وتدخل بزحام، شعرت بالسخط. رغم أنه لم يكن بيننا إلا تلك النظرة، إلا أني شعرت أنها امتدت سنوات. تلك النظرة وكمية المشاعر التي بعثتها في حين تبعتها، وحين فقدتها، دليل على أهميتها. رجعت ساخطًا إلى الرف. أرجعت كتاب أعداء المجتمع المدني واتجهت إلى المحاسب. استقبلني بابتسامة مصطنعة، رديت عليه بابتسامة مقتضبة. نظرت الى الشاشة. دفعت له المبلغ، وأخذت الكتاب دون أن آخذ الفاتورة أو حتى كيسًا. جلست أتصفح الرواية بالقرب من صالة عرض الفيلم بنتظار موعد عرضه.

أغلقتها بعد قليل. لم أفهم أي شيء مما قرأت. شعرت بسخط يغطيني. حاولت أن أستعيد صفاء ذهني في ضجيج المتفرجين. غطست بأفكاري: أرجوك كف عن هذا الدور؟ ماذا كنت تنتظر؟ ثم من مظهرها تبدو دون شك من طبقة  مختلفة؟ هل تريد أن تدخل بعلاقة من هنوع؟حتى لو أردت لن تستطيع. نعم هي جميلة وابتسامتها ناعمة، و...لكن...ذهبت. تقبل اﻷمر، وفي المرة القادمة عندما تشاهد فتاة جميلة لا تكتفي بالنظر ﻷن ليس كل الناس مثلك. هناك من يحتاج إلى الكلمات، ولذلك خلقت اللغة..أقصد اللغة التي تتكون من مجموعة أصوات، وليست تلك التي بين العيون.

أيقظتني حركة المشاهدين. نظرت للشاشة. كانت أسماء الممثلين تصعد إلى أعلى الشاشة على أنغام موسيقى الختام.

يبدو أني لم أضيع فرصة التعرف على الفتاة فقط، بل حتى قيمة التذكرة أضعتها وأنا أتخيل مالذي يحدث لو ألقيت التحية عليها. اللعنة!!

محمد البلاجي من القصيم، يمكنكم متابعة حسابه على تويتر.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

متوسطة الطول