غادة الربيع فنانة سعودية عُرفت بخامة فنية استثنائية تحاكي الماضي بسرد قصص من لوحات شهيرة وتقديمها بمفهوم مختلف تمامًا يناسب ثقافتها ونشأتها. يمكنكم متابعة حسابها على إنستجرام لمزيدٍ من أعمالها.
احكي لنا عن الإلهام خلف أسلوبك الفني الحالي وكيف بدأتيه.
أتاني الإلهام بفضل الله أولًا عندما كنت في آرت دبي في 2009 م. لاحظت أن الفنانين يستخدموا خامات غير الخامات التقليدية التي نستخدمها. عندما عدت، عرضت الفكرة بشكل عفوي على زوجي وشجعني وحصلت على الدعم بعدها من جهات متعددة.
كيف تبحثين عن المادة الخام (أغلفة الحلوى) لأعمالك، وما المفهوم الذي تودين تقديمه من خلالها؟
إذا لاحظت سوف تجد أن أغلفة الشوكلاتة دائمًا ملفتة للنظر. عندما يزور شخص محل شوكلاتة لمناسبة معينة سوف يستغرق الكثير من الوقت لاختيار شيء مناسب للديكور الذي يفكر به أو المناسبة التي سوف يذهب إليها. رغم أن ما يلفت نظرهم هي الأغلفة، إلا أنهم بعد أكل الشوكلاتة يرموها (الأغلفة) ويشعروا بأنها خامة مستهلكة. أنا أود لفت النظر إلى هذه المادة اتي تدفع أغلب الشركات عليها مبالغ مهولة لكي تنتج تصميمًا لافتة للنظر خاصة بها. إن أغلفة الشوكلاتة ملفتة للكبار والصغار، لكنها مهمشة.
أغلب الناس يتقربوا لبعض في علاقتنا الإنسانية من أجل خدمة معينة، وإذا انتهت يتخلصوا منها مثل تخلصهم من أغلفة وورق الشوكلاتة، وهذا الغلاف هو ما يغلف رغبتهم الحقيقية. أود أيضًا أن ألفت النظر إلى أن هناك أشياء كثيرة مهملة في حياتنا، من الممكن أن يتم رؤيتها بشكل مهم. كما أود تسليط النظر على هذا الأمر: أن مادة لا قيمة لها بنظر أغلب الناس ممكن تتحول لشيء يتم تعليقه في متاحف ومعارض.
تعتمدين استخدام أغلفة اعتاد عليها أطفال الأجيال الماضية. كيف تستخدمين الأغلفة لمحاكاة الحنين إلى الماضي؟
أريد من خلال لوحاتي أن أجعل المشاهد يبتسم بصراحة. سوف يبتسم عندما يرى غلافًا ذكره بموقف معين أو بطفولته أو حتى بطعمها. أحاول استخدام شيء من بيئتنا. على الرغم من أني أستورد من الخارج، إلا أني أشعر أن الأساس هو الشيء القديم، لأنه هو الشيء الأقرب لنفوس المجتمع، لذلك يهمني مجتمعي المحلي.
هل هناك مواضيع معينة تحاولين أن تتطرقين إليها في أعمالك؟
أغلب الأعمال التي أعمل عليها هي تعريب للوحات عالمية، وهذا كان معرضي الشخصي الأول. هناك الكثير من اللوحات أصبح لها شهرة عالمية، لكن أغلب الناس - خصوصًا بسبب عاداتنا وتقاليدنا وديننا - نرفض معتقدها وفكرتها الأساسية، مثل لوحة "خلق آدم" لمايكل آنجلو. هاجمني الكثير، فقلت لهم أنكم تقبلتوا فكرة الفنان الأجنبي، لكن لم تتقبلوا فكرتي. أريد أن أجعل اللوحة هذه بكل تفاصيلها التي عرفناها، ولكن من خلال عاداتنا وتقاليدنا. مثلًا لو فنان سعودي أو عربي رسمها بالبداية، سوف يرسمها بما ينساب شريعته/ـا أو تقاليده/ـا. هناك الكثير من اللوحات أخجل من أنظر إليها. لكن في هذه اللوحة حاولت أخالف معتقد الفنان الأساسي. حبيت أحور الفكرة الأساسية وأجعلها إلى ما سميته بـ"ذكريات بيت جدي". الطفل الصغير الموجود في اللوحة هو نفسه الرجل الذي يحاول التواصل مع ذكرياته في بيت جده وجدته. أتتني زيارة من طالبة دكتورة تعمل بحثًا عن أعمالي، عندما عرضت أعمالي على مشرفتها، قالت:"نحن معتادون عندما نرى لوحات مقلدة للوحات الفنان الأصلية، نتذكر اللوحة الأصلية. الفرق في لوحات الفنانة غادة هي أنا بدأت تشوش لنا الصورة للوحة الأصلية، بدأنا نتذكر اللوحة التي عملتها هي أكثر من الأصلية." أنا لا أحاول أنسى فضل الفنانين الأصليين. أنا أريد أن أريهم أننا قادرين أنن ننتج أعمالًا تتبع شريعتنا وتقاليدنا؛ لذلك أحاول إعادة تدوير العمل بشكل مختلف تمامًا بشكل جذري من ناحية المفاهيم والمعتقدات.
كيف تصفين المشهد الفني في المدينة المنورة وباقي مناطق المملكة، وهل تعتقدين أننا متجهين نحو الطريق الصحيح من ناحية تطوير المجالات الثقافية المتعددة؟
بدأ نشاط ملحوظ بعد افتتاح المركز الثقافي في المدينة المنورة، لذلك أنا مستبشرة بالخير جدًا. أنأ لا أنسى فضل الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون لأني بدأت عن طريقها. لكن نحن كفنانين بالطبع نريد المزيد. نود أن نرى كل فترة معرضًا. أريد أن أخبرهم: لماذا عادةً يكون تطور الفنانين الأجانب أسرع من تطورنا؟ ولماذا إنتاجهم أغرز مننا؟ لأن لديهم متاحف ومعارض فنية كثيرة مقارنة بنا؛ فلذلك لديهم تغذية بصرية مستمرة. شخصيًّا عندما زرت متحف اللوڤر في أبو ظبي ورأيت لوحات الفنانين الألوان، لم أرغب بالخروج! نحن نستبشر خيرًا أن أنشطةً مثل مسك آرت بدأت، ونتمنى أن تبدأ بأخذ جولات في المدينة المنورة وباقي مدن المملكة.
نحن نمر بمرحلة انتقالية، والمرحلة هذه صعبة للغاية. يجب علينا أن نكون صبورين، ويجب أن يكون هناك دعم سواء من القطاعين الحكومي أو الخاص. يجب أن نجعل المستثمر الأجنبي يدرك أن السوق السعودي مناسب لبيع الأعمال الفنية. دبي تعتبر مثالًا مناسبًا لهذا الأمر. انطلاقتي كانت من جدة إلى دبي؛ فدبي أصبحت أيقونة لبيع الأعمال الفنية، حيث يوجد بها فيها 79 معرض فني. يمكنك أن ترى كيف أصبح التجار والمستثمرون واثقين بالسوق الفني في دبي.
ما التحديات التي قد تواجه الفنانة السعودية - والتي واجهتك خصيصًا - برأيك في الساحة السعودية والعالمية كذلك؟
صراحة التحدي الذي واجهني– رغم أني لا أعتبرها مشكلة لأني مقتنعة ومتمسكة برأيي ـ هو النقاب. أحيانًا ألقى محاربة هنا في السعودية على نقابي، أو أسئلة مثل: كيف تظهرين وأنت متغطية؟ حتى من بعض الأشخاص في الدول الخليجية.
بينما أنه الأجانب عندما يروني يسألوني بشغف عن ماهية النقاب وسبب اختياري ارتدائه. فألاقي ردة فعل إيجابية من الأجانب أكثر من العرب. هناك غاية من ورا نقابي هذا. يتأثر الأجانب بوسائل التواصل الاجتماعي، وأنا قابلت فنانين من عدة جنسيات، فأود أن أنا أوصل لهم/ن رسالة: أنتم تروني الآن مرتدية "أسود بأسود"، فما أول ما يخطر ببالكم؟ قد يكون مثلًا أن "هذه الإنسانة معقدة" أو "منغلقة ما ولا تود أن تُقبل على الثقافات الأخرى." أما عندما أكون واقفة جانب عملي الفني المليء بالألوان، ماذا يخطر ببالكم؟ أود أن أوصل لهم أن لا يدعوا الظاهر يغرهم؛ فلدينا في السعودية مواهب متعددة، ومبدعين ومبدعات لكن الصور النمطية من الدول أو الثقافات الأخرى التي أخذتها عنا ظلمتنا. بمجرد ما يخرج السعوديون للدراسة تحدهم يبهرون العالم بإنتاجهم في كل المجالات. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا يتم سؤالي: أنت طلعت من المدينة المنورة؟ لأن المتوقع أن أكون من جدة أو الرياض أو الشرقية، لذلك أو أن أخبرهم بإهمال بالمظاهر والانشغال بالتفكير والإنتاجية.
كيف تجمعين بين مهنتك في التعليم وميولك الفنية؟
أتمنى أن أحصل على وظيفة تعليمية. كنت معلمة سابقًا في القطاع الخاص. تخرجت من الكلية قبل 18 عامًا، ولكن لم أحصل على الوظيفة الحكومية الرسمية حتى الآن. قررت في هذه الفترة خلال الـ18 عامًا هذه أني لا أقد ويدي على خدي، ولا أنتظر الوظيفة التي تصرف علي. يعني هل سوف جعل 18 عامًا تضيع من عمري دون أن أنتج؟ الحمد لله أن زوجي وأولادي ووالدتي ساعدوني ودعموني، فكنت بيئتي تساعدني على التقدم والإنتاج.
مررت بفترة خانقة قررت بها أن أنتج. خاصة عندما تخرجت، فكنت ككل شخص يريد أن يثبت جدارته بعد تخرجه. عندما لم أحصل على وظيفة، أخذت دورات في التجميل، والحاسب، وحتى في الإسعافات الأولية والخياطة، ولكن لقيت نفسي أرجع في كل مرة إلى الرسم، التي تعتبر موهبتي منذ الصغر. جميع عائلتي شجعوني ودعموني وحرصوا على أن أستمر، حتى عندما بدأت أعمل بهذه الخامة وبدأت سماع تعليقات سلبية، مثل: أنت تستعملين نفايات بلا قيمة. لكن الدعم اللي حصلت عليه من زوجي وأولادي ووالدتي ذكرني بالفكرة الراقية التي أردت إيصالها، وحرصت على ذلك.
ماذا يعني لك أن تكوني جزءًا من قائمة الأكثر تأثيرًا لمجلة قرازيا وما خطواتك القادمة؟
كانت تلك اللحظة مفاجئةً لي بصراحة، وأكثر ما أعجبني هي الطريقة التي رسموني بها بطريقة الكاريكاتير. جعلني الأمر أرى نفسي بشكلٍ آخر. أحببت أن أري أولادي أن الرس كتخصص ومادة دراسية ليست بالتافهة؛ فهذه فكرة عامة في المجتمع، حيث يتم رؤية مدرس الرسم أو الفنان كإنسان تافه ولا داعي لوجوده. أريد أن أريهم أن هناك جزء من العالم من يقدر هذا العمل. كنت ممتنة أن المجلة من وراء تلك الخامة هدف وغاية، عكس الناس الذين يرون أنها بلا قيمة. هذا بالنسبة لي كان فخر، وأود من أن أبنائي يتوارثوا هذا الفخر بعدي.
أتمنى أن أطور خامة الأغلفة، بحيث أن أبدأ بصنع مجسمات وغيرها. بس ما زلت غير قادرة على إظهارها، إلا أنني عملت مجسمات وعرضتها، ومنها مجسم اسمه أيتوبيا ومن خلاله أو إظهار الدعوة للمدينة الفاضلة. أود أن أخرج عن اللوحات وأمتلك الجرأة لبدء المجسمات وعرضها باستخدام نفس الخامة.