عن رعاية المجتمعات والنباتات الافتراضية: مقابلة مع سارة أحمد

لطالما أردنا أن نكتب هذه المقابلة لإعطاء سارة أحمد حقها. إن إنجازاتها أقرب ما تكون من السحر. سارة ليست فنانة، ومصممة مطويات، ومؤسسة جفت الأقلام فحسب، بل هي بانية للمجتمعات. حرصت كونها الابنة الكبرى أن تكون جميع مشاريعها والمنصات التي تعمل فيها متاحة للجميع، وبالأخص المبدعين العرب وأعمالهم التي لا تجد البنية التي تدعمها وتقدرها وتحتويها. وَرد وأنوثة إحدى المجلات العربية التي تأسست برعاية سارة ورؤيتها. 

تقابلنا مع سارة على زوم في أغسطس ٢٠٢٣. رغم أننا أردنا أن تكون مقابلتنا الأولى معها في مدينتها أبو ظبي، إلا أن زوم كان مناسبًا بعدما أدركنا أننا تقابلنا وعملنا سويًا على الإنترنت كل هذه الفترة. شاركتنا وخبرتنا سارة في هذه المقابلة عما يعنيه أن يكبر المرء، وعن مساعدة الناس لإيجاد صوتهم بينما تجد صوتها، وتصميم الكثير من المطويات. أخذتنا معها إلى ٢٠١٤، حين أسست جفت الأقلام، وحكتنا عن كل المجتمعات والمنصات التي بنتها واحتوتها منذ ذلك الحين.


!خالد: خبرينا عن أحوالك 

سارة: تعرفني منذ فترة طويلة يا خالد، منذ أن كنت طالبة في الجامعة. كبرنا سويًا. عملت. أحاول أن أتقصى آخر التغييرات، ولكن لم يعد الأمر كما كان. لا أعرف إذا كنتم تذكرون نشاطي على مواقع التواصل الاجتماعي. كنت حاضرة تقريبًا على كل منصة، لأسأل عن أحوال أصحابي ومعارفي. لم أعد بهذا النشاط. لكني اشتقت للتعلم والتعرف عن كل شيء يجلب لي الشغف على هذه المنصات بدلًا من إنهاء مهامي اليومية في وظيفتي الساعة الخامسة مساءً والرجوع إلى منزلي لمشاهدة الكرتون ثم النوم. لا أود أن أُشعركم بالملل بقصصي هذه، ولكن الحمد لله على كل شيء. 

.فاطمة: أشعر بنفس الشيء، وأصبحت على وعي بماهية أولياتي، وحاجتي للتأقلم بناءً عليها

سارة: لم أعرف أن هذه إحدى صفات النمو. يجب علي أن أتأقلم بناءً على تلك الأولويات. كم أتمنى أننا تعلمنا هذه الأمور في صغرنا. لكن الندم لا ينفع الآن. يجب علينا أن نتعرف على أنفسنا، مما سيجلعنا قادرين على مواجهة أي تحدي. 

.فاطمة: أردت أن أسألك عما تفعلينه الآن لتغذية جانبك الروحي أثناء فترة التأقلم الصعبة هذه

سارة: ركزت كثيرًا على حياتي المهنية لدرجة أني أهملت هذا الجانب. أخبرت نفسي أني امرأة قوية ومستقلة وقادرة على الاعتناء بأسرتي. أردت أن أتولى جميع أمور عائلتي لأني أكبر البنات.

قد تصل إلى مرحلة متقدمة من التميز في وظيفتك، ولكن يلاحقك شعور بأن من حولك لا يقدرونك. ولا تستطيع المغادرة الآن خوفًا من ندرة الوظائف الأخرى. تعلمت أن أساوم في عملي، أن أبقى بقدر حاجتي لها، لأتمكن من الاعتناء بنفسي وبمشاريعي الخاصة، كالفن والنشر. ما زلت أستمتع في عملي لأنني أحب مجالي، ولكني تعلمت أن أتحكم بتوقعاتي وبفصل شغفي بالفنون والنشر من وظيفتي.

الملاحظات والخامات التي استخدمتها سارة في مشروعها أثناء المنحة

كنت جزء من دفعة  برنامج منحة سلامة بنت حمدان للفنانين الناشئين العام الماضي. غيرت المنحة حياتي تمامًا. كانت هذه محاولتي الرابعة للتقديم للمنحة. لاحظت أنني أثناء المقابلة كنت في غاية التركيز على ما أردت إنجازه. لم أكن تجريبية كعادتي مع الفنون وأعمالي الخاصة. تحدثت أثناء المقابلة بشكل عام عن أدب وكتب الأطفال، ورغبتي بكتابتها ونشرها، خصوصًا بالعربية.

تشمل المنحة المحاضرات بالتشارك مع بقية الدفعة وتوفر مساحات مختلفة للعمل. أغلب أعمالي ثنائية الأبعاد وعملية، ولكن وجودي في تلك المساحة يحث على تجريب الأعمال ثلاثية الأبعاد وخامات ووسائط لم أتخيل استخدامها من قبل. تعلمت الكثير من هذه المنحة، وبدأت ابتكار أعمال يمكن للناس أن يلمسوها ويتفاعلوا معها على مقياس أكبر.
هناك غذيت فني الخاص. ما زلت أعمل على نفس المشاريع التي بدأتها هناك. وجودي في تلك المساحة جعلني مدركة لحاجتي لمجتمع فني يحيطني ويلهمني. من المهم أن تكون لك هذه المجتمع كفنان. كان لي مجتمع في جفت الأقلام، وعندما كنت حاضرة على وسائل التواصل الاجتماعي. لكني فقدت هذا المجتمع بعدما بدأت وظيفتي وزادت التزاماتي لواقعي. لحسن حظي عاد لي هذا الشعور مع المنحة.

!فاطمة: كنا على وشك أن نسألك عن جفت الأقلام

سارة: لقد أردت وبشدة أن يستمر هذا المشروع بالرغم من انشغالي، ولكن فضلت أن أطوي تلك الصفحة تقديرًا لحبي للمشروع والجمهور الرائع الذي قدَّره. ليس من العدل للجمهور أن يتلقى محتوى لم يصنع باهتمام وإخلاص. ما زال مشروع جفت الأقلام في قلبي، ولكن من الصعب التركيز عليه في خضم كل مسؤولياتي وأولوياتي الحالية. كان فريق جفت الأقلام آنذاك مخلصًا جدًا للمهمة التي تصورتها ووضعتها له، وتطوعوا بوقتهم للعمل عليه. متأكدة تمامًا أنهم سينضمون للفريق مجددًا إذا طلبتهم أو أردت أن أعود إليه. لكني لا أود أن أحملهم أي عبء. أؤمن أنه من الأفضل أن تتوقف عن العمل في على مشروع ما أن يُتم هدفه. لدينا الآن أنوثة، ووَرد، وبنات، والعديد من المجلات والمنشورات الجميلة. شعرت بسعادة غامرة عندما قرأت (حتى قبل أن يتواصل معي خالد بشأن هذه المقابلة) أن أنوثة ووَرد عادا بعد استراحة قصيرة لأنني أعرف صعوبة إنتاج وكتابة محتوى عالي الجودة. 

آخر أعداد جفت الأقلام كان عدد سحر على يدي جميري. خططنا في البداية أن يكون معرضًا، ولكن الجائحة فرضت علينا شروطها. فكرنا بطرق أخرى لتنفيذ هذه الفكرة. كانت هذه أولى تجارب جميري في التنسيق الفني، وكانت تجربتي الأولى في الثقة بشخص آخر وترك التخطيط يفلت من يدي، لذلك كنت موجودة بجانبه فقط عندما يحتاجني.

عدد سحر

خالد: ذكرني ما قلتيه بمحادثتي مع فاطمة عندما قابلتها في الصيف الماضي. تكلمنا عن فترة ابتعادنا عن أنوثة ووَرد لانشغالنا بالدراسة ومشاغل أخرى. لم أرد أن أعود لوَرد شخصيًا إلا إذا كنت متأكدًا أنني قادر على إعطائها كل ما أملك. ما زلت أشعر بالذنب. بنيت هذه المنصة ليشارك المبدعون أعمالهم سويًا، وفجأة، سحبتها ومنعتها عنهم عندما قررت أن آخذ فترة استراحة منها.  

سارة: كان شعور الذنب يؤرقني أيضًا. ينادوني "جفت الأقلام" كلما رآني أحد، حتى لو لم أعرفهم. لكن اسمي سارة. 

.فاطمة: سمتني إحدى صديقاتي "فاطمة أنوثة" على جوالها

سارة: إنها مسؤولية كبيرة. كلما يذكرني شخص بها، أحاول أن أخبره أنني أعطيت جفت الأقلام كل ما أستطيع. حان دورك الآن. تفرعت أعمالي لمجالات أخرى، كالكتب والنشر. أنا على أتم الاستعداد لمشاركة كل ما أعرفه مع أي شخص يحتاج خبرتي. سأرجع لجفت الأقلام في حالة واحدة، وهي أن أضيف شيئًا أفضل، أو أنشر وأنتج محتوى بنفس المستوى. لن أرضى بأي شيء أقل لي ولجمهور المنصة الذي كبرت معها. هدفي حاليًا هو أرشفة كل ما نشرناه في المجلة، وجعله متاحًا على الإنترنت لقرائنا وكل من يراوده الفضول عنا. 

خالد: يا لها من فكرة رائعة. ما المشاريع الأخرى التي قادتك جفت الأقلام إليها؟

سارة: أدير حاليًا مكتبة مطويات إلكترونية اسمها حِجرة • ورقة • مقص. لم أعد مهتمة بمشاركة أعمالي إلكترونيًا. أود حاليًا أن أصمم وأجمع المطويات. بدأت المشروع مع عائشة المرزوقي، وهي فنانة ومصممة رائعة. بدأت صداقتنا على الإنترنت لمشاركتنا اهتمامات متشابهة. بدأت عائشة بتصميم المطويات مع بداية الجائحة. تشاركنا أنا وعائشة المطويات، مما جعلنا نتحدث ونتناقش عن الثقافة المحيطة بتصميم ونشر هذه المطويات. دعتني بعدها عائشة لإنشاء مبادرة تعرض مطويات يصممها الفنانون خلال الجائحة كطريقة للتغلب على إعاقتها لحركتهم وحياتهم كما يعرفونها. بدأنا بعدها بالتفكير باسم المبادرة. كانت أولى أفكارنا حَجَرة ورقة مقص، ولكن شركة ألعاب استحوذت عليها. لذلك اقترحت حِجْرة (غرفة في اللهجة الإماراتية) ورقة مقص، لأنك حرفيًا تكون في غرفتك وأنت تصمم المطويات باستخدام الأوراق والمقص. 
ننظم ورش لتصميم المطويات بين حين وآخر. سننظم المزيد حالما أستقر في الإستوديو الذي انتقلت له. نود أن نتأكد أن الورش مجانية ومتاحة للكل. نمسحها ضوئيًا لأرشفتها بعدما يصممها المشاركون، ثم نطبعها ونوزعها. صراحة أود أن أمضي بقية حياتي في هذا المجال. كما نخطط لتوسيع المبادرة بفتح باب المشاركة ضمن مواضيع محددة لكل من يرغب بإرسال مطوياته. أحد هذه المواضيع التي بدأنا فيها هو مشروع بحثي لتخيل الأماكن العامة في أبو ظبي مع سالم السويدي، مؤسس سوالف كولكتف.

إحدى ورش حِجرة • ورقة • مقص

[ذهبت سارة لتحضر وترينا عينات من آخر أعمالها]
لطالما أردت صنع ألعاب صغيرة باستخدام الطين وتلوينها بأسلوبي. أحب هذه الألعاب للغاية. أخطط صنعها لتستخدم كساندة كتب أو أكواب شاي ليستطيع الناس استخدامها وشرائها. أنا في إستوديو الريشة حاليًا. أجتمع مع بقية أعضاء الإستوديو لنعمل ونقيم جلسات للعصف الذهني. أهم هدف حالياً هو ابتكار أشياء قابلًا للشراء إذا أردت أن أستمر بالعمل على مبادرة حِجرة • ورقة • مقص.

عينة من أعمال سارة: ملاحظات عن لعبة صنعتها

فاطمة: هل إستوديو الريشة مستقل، أو تشمله المنحة التي حصلتِ عليها؟ 

سارة: لا الإستوديو مختلف. كان مقر المنحة مكان يشمل مساحات متعددة نتشاركها مع بقية الدفعة. كل واحد منا كان لديه إستوديو خاص فيه، وطابق كامل مليء بأدوات فنية لنبتكر ونلعب بها. صممنا العديد من الملصقات والأعمال في الإستوديوهات والسطح والفناء الخارجي. كانت تجربة رائعة. 

تشمل المنحة أيضًا جلسات نقد. لم أستلطف تلك الجلسات لأنني شعرت بأنني مراقبة، وبأن الجميع ينظرون لي ولأعمالي. هذه أيضًا مهارة أخرى تعلمتها في عمر الثانية والثلاثين. أحببت مشروعي النهائي في المنحة لأنني استخدمت الورق كالخامة الرئيسة، وأظهرت أنه متعدد الاستخدامات. كان المشروع عبارة عن مدونة سفر أتخيل بها شخصًا يعود لوطنه، ويدون ويكتب عن الأشياء التي سيحضرها معه. كنت أفكر بأبي رحمه الله أثناء عملي على هذا المشروع. كان يزور عائلته في اليمن كل سنة. لم يحضر لنا التذكارات بعد عودته من عطلته السنوية. اعتاد أن يحضر معه الفلفل، وبهارات أخرى متعددة. كانت رائحة مشروعي تشبه القرفة والبهارات التي كان يحضرها لنا معه. كان من المثير للاهتمام ملاحظة مشاعري خلال هذه العملية. 

أردت أن يكون هذا العمل سهلاً للفهم، وكنت آمل أن يشعر أي شخص يجرب عملي هذا بنفس ما شعرت فيه أثناء عملي له. شعور شخص عندما غادر موطنه ليستقر في مكان آخر، وشعور موطنه عندما غادره.

مشروع سارة النهائي في المنحة

فاطمة: هل كان التحدي في هذا العمل الموضوع الذي يتطرق له أم الخامة، أو هل كان هناك عامل آخر؟

سارة: لم يكن التحدي يمكن في الموضوع. وصلت لمرحلة من السلام الداخلي مع كل تلك المشاعر. لم تكن مشاعرًا جديدة بالنسبة لي. كان التحدي يكمن في مشاركة العمل مع الآخرين، خصوصًا لأني إنسانة كتومة.  أشارك أعمالي مع الآخرين فقط إذا كانوا سيستفيدون بطريقة ما منها. ولكن أتردد عن مشاركة أعمالي التي تتطرق لمواضيع شخصية، حتى مع أقرب أصدقائي. لذلك كان من الصعب مشاركة هذا العمل مع غرباء في مكان جديد تمامًا، خاصة بأنني استخدمت هذه الخامة للمرة الأولى. 

أعمالي عبارة عن رسومات وقصص وقصاصات، وعن بعد تام من تجريبها في مساحة كتلك المعرض. لذلك لا أضطر أن أرى ردة فعلهم. أنتبه لكل التفاصيل المتعلقة بردهم. لكل شخص الحرية التامة بتشكيل رأي خاص، ولكن هناك ردات فعل لا تستطيع حتى توقعها. إنه أمر مخيف وجميل. يمكنك توقع أي شيء! الفن فن بالنهاية باختلاف ردود الفعل والآراء. هناك أشياء ستتجاهلها، وأشياء ستطبقها، خاصة إذا كانت نقدًا بناءً.

عينة من أعمال سارة: إعادة تشكيل حالة الإنسان

مثلا، سألتني إحدى الحاضرات عن طريقتي الخاصة في صناعة الورق. تجاهلت كل شيء عن العمل، وركزت على الطريقة. وتعلمت الكثير منها! كانت صانعة أوراق، وأعطتني الكثير من النصائح. لا تعرف من محادثاتك مع الحضور ما قد تتعرف وتتعلم منه. حاضرة أخرى من بلد أجنبي طلبت مني ترجمة المكتوب باللغة العربية قبل أن تقول لي أنها شعرت بالعمل على صعيد شخصي حيث الأدوات المستخدمة نفس التي يستخدموها، وهذا شيء لم أعرفه أو أتوقعه.

كان المعرض ممتلئًا بالحضور. كنت قلقةً للغاية. أجتنب عادة افتتاحات المعارض لأنني أخشى الجمهور. لكني قررت أن أحضر هناك، وأقف بجانب عملي. فعلتها، ونمت بعدها لمدة أسبوع. 

طبقنا نموذجًا مشابهًا في إستوديو الريشة لأن ممارسات الأعضاء الفنية تختلف. نزور مساحة كل فنان، ونطرح أسئلة عن آخر أعمالهم وعن طرقهم المتعددة لنتدرب على تلقي وإبداء النقد الفني. ونضحك كثيراً، ونتعلم من بعضنا البعض.

مكتب سارة في إستوديو الريشة

[تقرأ سارة رسالة فاطمة في خانة الرسائل على زوم]

هل تسألين عن كيفية زيارة الإستوديو؟ تعالي! أين أنتِ الآن؟ 

!فاطمة: أنا في نيويورك الآن، ولكن سأكون في الإمارات قريبًا

سارة: خلي نيويورك تنفعج! بس تعالي! لا زلنا نجهز المساحة. سننضم جولات يمكن للمهتمين حجزها وزيارتنا. وبإمكانهم أن يشاركون في ورش مختلفة ننظمها لهم أثناء زيارتهم للإستوديو. يمكنك التجول والاطلاع على الورش المختلفة، والانضمام لأي واحدة تثير اهتمامك! هذا ما فعلته عندما زرت الإستوديو للمرة الأولى كزائرة. دفعني هذا للتقديم مباشرة عندما أعلنوا عن فتح التقديم للفنانين المهتمين. والحمد لله أنني انضممت لهم. كل الفنانين هناك مثل العسل ويدعمونك بكل شيء. إذا احتجت مساعدة بأي شيء، ستجد من يعاونك وينصحك. هذا ما فقدته عندما كنت أعمل على مشاريعي في منزلنا؛ فمن يمكنه إجابتي؟ 

خالد: لاحظت أنك دائمًا تقدِّرين وتبنين للمجتمع بعد السماع لإجاباتك على أسئلتنا ومتابعتي لأعمالك ومشاريعك منذ أن تعرفت عليك. تحرصين على سبيل المثال على  أن تكون ورشك متاحة ومجانية للجميع، وتشاركين وتعلمين بها كل مهاراتك. متى لاحظتِ وأدركتِ أن زراعة بذور المجتمع الداعم مهم بالنسبة لك، وأنه شيء تودين أن تغذيته في مسيرتك؟ 

سارة: أدركته بعد فترة كبيرة من إدارة جفت الأقلام. قبل أن أبني هذه المنصة في أيام الجامعة كنت جزءًا من مجتمعات على منصات التواصل الاجتماعي. كانت مجتمعات مبنية على اهتمامات مشتركة، كالشعر والفن وغيره. سبب إنشائي لجفت الأقلام كان ملاحظتي عدم وجود منصات تخدم هذه المجتمعات في أي مكان حولي أو في الشرق الأوسط. لذلك تساءلت عن سبب غيابها عنا؛ فنحن هنا سويًا نتناقش ونبتكر على تويتر وغيره. بدأت بعد هذه النقطة باستشارة من حولي، وتوسيع دائرة معارفي الإلكترونية. ثم ذكر لي شخص يومًا ما، وقال:"لم يسبق لي رؤية شيء مشابه لما بنيتيه. لقد جمعتِ كل هؤلاء الأشخاص دون أن تدركين ذلك". 
أدركت أيضًا بأن بناء المجتمع جزء أساسي في عملي عندما تلقينا دعوة فن دبي لزراعتنا هذه البذرة في المجتمع الفني. استغربت من تلقينا الدعوة. صحيح أن جفت الأقلام لها مجتمع، ولكنه مجتمع افتراضي على الإنترنت! بناء المجتمعات افتراضيًا له سمات مختلفة. لذلك بعدها أدركت أن الرغبة في جمع الناس هو جزء مني، شيء أشبه بالوراثة. أحب أن أجمع الناس سويًا حتى مع عائلتي وأصدقائي المقربين. كما أدركت أهمية إحاطة نفسي بناس يشبهوني وأشبههم.

عينة من أعمال سارة: خبريني

أهمية المجتمعات الافتراضية تكمن في قدرتها على تكوين علاقات ومجتمعات غير مسبوقة. يمكن لشخص من أمستردام أن يتعاون مع شخص في السعودية على مشروع ما. عندما يجتمع الناس ويشاركون مهاراتهم بثقة سويًا يستطيعون ابتكار أشياء جميلة. أعتقد أن تقديري لهذه الأشياء سببها رغبتي في التدريس. لطالما أردت أن أكون معلمة. آمل أن يكون معلمي الأطفال أن يكونوا مصدر إلهام لهم. كما آمل أن يدرك الناس أهمية التعليم، وقدرته على جمع الناس، وتقريب الثقافات. كان الإنترنت مصدر الكثير مما تعلمته عن نفسي. كان لدي معلمين جيدين، ولكن أليس من الأفضل أن يشمل هذه العوامل والمنصات؟ 

.فاطمة: حبيبتي أنتِ بالفعل تعيشين هذا الحلم 

سارة: كان يسألني حاضري الورش الذي أنظمها إذا كنت معلمة. كنت أسأل نفسي إذا فعلًا كنت معلمة. أدركت أن هذا الحلم تحقق نوعًا ما في هذه الورش، ولكنه تطور؛ فالآن أود أن أدرس الناس الفن. أود أن يرى الناس أنفسهم كمبدعين. عندما تقول لي طفلة على سبيل المثال بأنها لا تستطيع الرسم، أخبرها مباشرة بأنها تستطيع، وأنه يجدر بنا أن نحاول سويًا. 

خالد: تغمرني السعادة عندما أسمعك تحكين هذه القصص. أتذكر عندما رأيت نداء عدد جفت للمشاركات في في ٢٠١٥. كنت في الخامسة عشر من عمري في تبوك، واعتقدت أنني لن أشارك أعمالي مع أي أحد. لكنني لبيت نداء المشاركة، وأرسلت لك بعض ما أعمالي. وصلتني رسالتك بعدها بأن الصور التي التقطتها ستصبح غلاف أحد الأعداد. كنت قادرة على إعطاء معنى  لأعمال ظن مبتكروها أنها بلا معنى. هذه قدرة نادرة، وليست عند الجميع. لكنها إحدى سماتك الرائعة. 

سارة: أشعر أنني على وشك البكاء. أنا في غاية السعادة أنك شعرت بهذا الفخر آنذاك. أقدر كل عدد نشرته في جفت الأقلام، وكل محادثة استمتعت بها من خلالها. أتذكر أغلب تلك المحادثات رغم كثرتها. لا أود أن أنكر أني تلقيت الكثير من النقد، ولكني تعلمت كيف أتواصل وأعمل مع أشخاص لهم وجهات نظر مختلفة عني. كانت إحدى لحظاتي المفضلة هو مشاركة الناس لأعمالهم وأعمالهم المفضلة من كل عدد مع متابعينهم. كانوا فخورين، وكانت عائلاتهم فخور. كلامكم يجعلني أفكر في إرجاع جفت الأقلام…

غلافين لأعداد جفت الأقلام الخاصة

!فاطمة: غاية هذه المقابلة أصلًا إقناعك بهذا الشيء

.سارة: سيكون سؤالك القادم:"متى ستعود جفت الأقلام؟" كانت أيامًا رائعة، ولكن الآن هو دوركم

فاطمة: صدقينا لن نخذلك! ألهمتني طريقتك بالتعامل مع التحديات الشخصية التي واجهتيها في أعمالك الخاصة وجفت الأقلام. من المثير للاهتمام ملاحظة أن التحديات تتطلب أحيانًا ترك أشياء خلفنا. ما بعض التحديات التي تلهمك في هذه الفترة؟ 

سارة: كلنا نشعر بالتعب بعد العودة من وظائفنا أو أي فعالية أخرى خلال الأسبوع. لذلك أنا في مواجهة تحدي تكريس الوقت لمشاريعي الخاصة، وإجبار نفسي على العمل عليها. أجد أنني أقول لنفسي أحيانًا أنه يجب علي الذهاب للإستوديو بعد دوامي الرسمي، حتى إذا بقيت هناك لمدة ساعتين فقط. يمكنني بعدها الذهاب للمنزل. صحيح أنني أشعر بالتعب بعدما أصل لغرفتي، ولكني أشعر بسلام داخلي أنني كرست ولو قليل من الوقت لشغفي. 

أحاول أن أضم هذه العادات إلى جدولي اليومي. وإذا كنت مجهدة للغاية، أو لم أستطع إنجازها أو تطبيقها، فلقد حاولت على الأقل. إذا لم أقدر على زيارة الإستوديو بعد الدوم على سبيل المثال أحاول قدر المستطاع أن أبقي الجزء الإبداعي مني حيًا. إنه تحدي صعب للغاية، ولكنى أسعى إلى توازن بين مسؤولياتي وممارساتي الفنية. 

فاطمة: كل ما ذكرتيه جميلًا للغاية. إنه من الرائع أنك تعاملين نفسك كالمعلمة التي تريدين أن تصبحي مثلها، وأن تقودي بنفس الحنية التي نحتاجها من كل شخص نطلب نصيحته. هل هناك مشاريع أو خطط أخرى تعملين عليها ويجدر بنا أن نطلع عليها؟ 

عمل سارة في كورنيش

سارة: أنا متحمسة جدًا لنقطة التقاء في الشارقة! إنه من أروع المعارض. الشارقة من أجمل المدن، ولطالما رغبت بالانتقال إليها رغم أني لم أسكنها من قبل. مشاركة في إحدى منشورات المعرض تحت اسم كورنيش تحت إشراف ناصر نصرالله وموزة الحمراني. سيتم تنظيم لقاء خلال الأسبوع القادم لجميع الفنانين المساهمين في كورنيش، وأتطلع للغاية لمقابلة أصدقاء جدد. 

كما آمل أن تنمو حِجرة • ورقة • مقص. تصلنا الكثير من الأسئلة عن ماهية المطويات. أحب ملاحظة كيف يصمم مشاركوا ورشنا من أعمار مختلفة مطوياتهم، لأن الطريقة التي يتبعها شخص واحد تختلف تمامًا عن البقية، وأتعلم الكثير من كل مشارك. إن شاء الله سنزيد من هذه الورش في أبو ظبي وبقية الإمارات. وإذا استطعنا سنديرها في بقية الخليج إن شاء الله. أود أن تصبح كلمة "مطوية" معروفة للكل. لدي كل الأدوات المطلوبة لتصميمها في سيارتي، لأني لا أعرف متى سيطرق الإلهام بابي!

أغلفة مطويات صممتها سارة مؤخرًا

Khaled AlqahtaniComment