الوداع اللامنقطع

عامٌ كاملٌ مر كأنه يوم.

اليوم أودِّع رحلة الامتياز، هذه اللحظات التي كانت أقرب لي من كل شيء، ويحزنني بقدر ما يفرحني أنني سأسلك طريقًا آخر، طريقًا جديد. 

اليوم أودع كل الأماكن التي أحببتها. الشارع الذي أعبره كل صباح يقطعه أخوان صغيران، واعتدتُ أن أقف لأضمن عبورهما بسلام. أودع السترة الممُزقة التي لم أقم بخياطتها ولم أشعر يومًا أنه يتوجب فعل ذلك. تقاسمت  السترة يومًا مع أحد الأطفال. كان يبكي يومها وهو ضائع تحت المطر، فضحك حينما سمع صوتِ التمزُّق. هذه الخيوط المتدلية تذكرني بالمشاركة والدفء وكل شيء قد يبدو كارثيًا لكنه تافهًا في الوقتِ ذاته.

أودع كل الذين رأيتهم يجرون، يجرون نحو الممرات لإنقاذ البشر مع العلم أنه قد قيل لي: 

"لا يهم أن تنقذي جميع مرضاك بقدرِ ما يهم الحد من هذا الضرر." 

لكن لماذا أشعر أني مُكلَّفة بهذا الإنقاذ؟ وأنَّ الحد من الضرر لا يكفي أبدًا لأطمئن.

اليوم أودع الطفل الأول الذي حملتهُ بين يدي الذي علمني أن تكون مرفوضًا من قبلِ العائلة لا يعني أنك مرفوض أيضًا من العالم بأكمله. أودُّع الغيمة التي كانت تزورني في المكان الأول التي خففت كثيرًا من شعورِ العناء.

اليوم ألقي التحية القوية على القلق الذي أيقظني من غفوتي لأتساءل هل وضعت الخطة الصحيحة لمريض بالعناية المركزة؟ اليوم بقدرِ ما أودع الكثير إلَّا أنني علاوة على ذلك أتمسك بالأكثر كمهاراتي في توضيح الرؤية، في اختيارِ الكلمات المناسبة أثناء الحدث الغير مُناسب إطلاقًا، في مهارة الكتابة السريعة التي قد تورم إصبعي بسببها، أتمسك بحبِ المعرفة والتفكير وجمع الأدلة؛ لأنه كما تقول صديقتي: "الإحساس ليس دليلًا لاختيار خطتك يا نوف".

أتمسّك برأيي منذ اللحظة الأولى التي اخترتُ هذا العمل فحاولتُ ألَا يقع مني الخطأ على الرغم من أننا نعرف جميعًا أن الإنسان يتعلم جيدًا حينما يُخطئ! لكنني أُحاول وبشدة ألَا تكون أخطائي واقعة على أرواح الآخرين.

 أحاول أن أتعلم من الصبِر والاجتهاد وليس من الخطأ.

أتمسّك بكل الكلمات التي فُرشت في طريقي فساعدتني على العبور وأيضًا بالأصدقاء الذين عرفتهم فأصبحوا في حياتي حياة. 

اليوم أودُّع الكثير لكنني أؤمن أن هذه الرحلة ستطول، ستطول جدًا وأن الذي في قلبي يشعر به الله، يشعر بعمقه أينما وليتُ وجهي فلا سؤال لي إلا له، أن يهبني رحلةً مبهجةً وأن يروي هذه البذرة التي بداخلي لتنبت نباتًا نافعًا بين أهل الأرض.

نوف_صور.jpeg

نوف محمد كائن بسيط من الرياض. هي مهتمة بالكتابة، والقراءة، وكل مافيه تغذية للروح والعقل. تخرجت نوف حديثًا كخبيرة تغذية علاجية. زوروا مدونتها وحسابها على تويتر للمزيد من أعمالها.