إعادة تعريف الأنوثة

الكولاج لخالد ع *

في الحزن بحس بالنَّفَس وهو بيهرب مني. وأنا صغيرة كنت دايمًا بجري ورا النفس، وأحاول ألحقه. بس اكتشفت أنه النفس دا هو قلق مكتوم. من غير ما أحس أصلًا كنت بطارد إحساس أني أكون مرغوبة. كان نفسي أحس أني ست من غير ما الإحساس دا يكون على يد راجل. كان نفسي أبص في المراية وأرتاح. وفي غياب النَّفَس اكتشفت أهمية الوعي بيه عشان أحس برجوعُه في لحظات الإلهام. في إحدى اللحظات المدهشة دي فهمت معنى الأنوثة ليا. كانت الأنوثة قصيدة تعبر عن  معنى العشق الممنوع، وهو أني أعشق نفسي وأمتلك جسدي. 

معنى الأنوثة  دا تغير مليون مرة من ساعتها. في الأول كنت بستغرب من التغيير دا، بس دلوقتي فهمت. زي ما إليسا غنت – مع أني مبقتش أثق في كلام إليسا بعد ما عملت أغنية مع المغتصب سعد المجرد – "ملامحنا مش ملامحنا"، وعمرها ما هتكون. كل معنى هو مراية عاكسة لمشاكلي في وقت محدد. بس دي مش حاجة وحشة على  فكرة، بالعكس، دا زي تعويض جمالي لوجودي في عالم أبوي. كأنه طابع زمني ليا عشان أوثق مذكرات حياتي من عدسة نسوية.

اكتشفت أن عمق الأنوثة دا شيء سماوي، نقي من لمسة أضرار الدنيا، وعقد آثار الاحتلال الثقافي اللي انتشر من بلاد برا. ومع الإدراك دا، الأنوثة تحولت لمعنى جديد: كيان موجود بين حدود هويتي الجنسية والمعنوية. وجوا المكان الآمن اللي وضعت فيه المعنى دا، هفضل أبدع وأرسم لنفسي معنى للأنوثة يحتوي محاولتي لتوسع ثقافتي الفكرية، و دي محاولة أنا عمري ما هبطل أحاول فيها.

الغرض لإعادة التعريف المستمر دا ينمو من سنين القهر اللي استمر لأجيال، واللي تثبت  بتأثير الرجالة. إجبارهم لي على  الشغل باستمرار، على قد ما هي تجربة ممكن تكون مفيدة في رأي غربي غير خبير وملم بتجربتي، قدرة بشعة فرضوها علي. الغضب بيزقني أني أفضل أطارد هدف عشان لو ريحت، و لو لثانية واحدة، الفشل هيلحقني، وهقع في دور العبد المنزلي ومحصورة باقي حياتي. أنا مكنتش فاهمة ساعتها أني كنت بجري ورا حلم فاضي، ووعود استقلال فارغة. إزاي أنا مستقلة، و أنا في أقصى حدود خيالي هعيش كرجل في الغرب؟ لأن هو دا كان مفهومي عن النسوية الغربية. 

الملاحظة دي مش موجودة عشان تقلل من نجاح أي ست مستقلة ماديًا. العكس، أنا بحيي دا جدًا. أنا بس عاوزة أوضح أن احنا ممكن نحول فكرنا عن النجاح لمعنى مختلف تمامًا، معنى يليق بنا وبهويتنا الفريدة من نوعها. نفسي نخلق المعنى دا بهدف مدفوع من شعور أقوى من "الغيرة" من امتيازات الرجل ولإثبات المساواة. دا هدف ملوش معنى لأننا مش على مستوى الرجالة. احنا بنتجاوز المقياس والمستوى دا تمامًا. عمق وعيِك الإنساني مخلوق من تجربة اضطهاد مستمرة. تجربة، على  قد ما هي ظالمة، أدت إلى جمال ساحر في صبرِك، لأنك تقفي بقوة أقصى من ما يفهمون أو يتخيلون. مفيش راجل هييجي ينقذِك. لازم ننقذ نفسنا.  

في دراستي في علم النفس تعرفت على حاجة اسمها التقاطعية. فهمت منها أن الحياة مع الاضطهاد تختلف من كل شخص والتاني، وأن الهوية الجنسية والعرقية، و أي هوية أخرى  مش هويات فردية المفروض أن نفهمهم لوحدهم وبعزلة عن بعض. هم مترابطين، وعمرنا ما هنعرف نفرقهم في محاولات تشخيص النفس. أدركت أني عشان أنمو من جروح الماضي لازم أفهم إيه معنى خبرتي كست عربية، وإزاي كل شخص ليس رجل في حياتي أثر على التجربة دي. 

 مشفتش حاجة أوضح من فشل الغرب في فكرهم الفردي، واكتشفت أهمية تشكيل المجتمعات، بالذات في النسوية. لازم نتقدم بعيد عن تعريف الأنظمة والمجتمعات الظالمة (الظالمة من منظور ووجهة نظر الرجالة والغرب) لينا عشان نخلق لنفسنا تعريف جديد، وجوده متأسس من مكان علمي ومدروس. 

إزاي أمشي لقدام وأنا لوحدي؟ فأنا عايشة لإيه لو مش لتجارب جديدة توسع قدرتي على الفهم والتعاطف مع تجارب الناس التانية؟ يمكن أنا حلمي صعب تحقيقه، ويمكن أنا بزق مجتمعي زق أعلى من طاقتهم. بس إيه المشكلة في كده؟ المهم أني لسا عندي وعي يقدر يحارب هواجيس نفسي والدنيا والناس علشان فهمي الشخصي للأنوثة. وحتى لو هو مش أبدي، أديني بحاول.


سارة هاوية كتابة من مصر وتعيش في سان فرانسسكو. تحب الطبيعة وتتبع الشغف والانتماء كالقوتين الرئيستين في قيادة حياتها.

Khaled Alqahtani2 Comments